مراحل حياتنا الخمسة

أهلاً بكم في صفحة مراحل حياتنا الخمسة

تتحدث هذه الصفحة من موقع مزايا عن مراحل حياتـنا الخمسة التي يمرُّ بها كل إنسان , مع أنّ نفوسنا جميعها خُلقت دفعة واحدة لتبدأ المرحلة الأولى من الحياة في عالم الذرّ , إلاّ أننا نمرّ بالمراحل الأخرى في أزمان مختلفة , وسنجتمع حتماً في النهاية في حياة الآخرة في زمان واحد!!

لماذا مراحل حياتنا الخمسة؟

مشروع مراحل حياتنا الخمسة هو دعوة إلى الحق بطريقة علمية معاصرة يُخاطب العقل والقلب , الهدف منه هو إصلاح البشرية التي ضلت طريقها عن الصراط المستقيم , تقوم فكرة هذا المشروع على شرح مراحل الحياة التي مررنا بها والتي سنمرّ بها وعلى معرفة سبب وجود كثير من المسلمين بلا أخلاق ووجود كثير من غير المسلمين مع أخلاق فوصلت بحمد الله إلى حقيقة كنّا نجهلها وهي العلقة السوداء الموجودة في قلوبنا!

تنبيه هام للغاية!

الحقائق التي ستتعرّف عليها في هذا الموقع تعتبر في غاية الأهمية لكل إنسان ٍ عاقل يبحث لنفسه عن سعادة حقيقية ودائمة وعن مغزى وجوده على كوكب الأرض الزائل!

عالم الإشارات الكهربائية

إنّ كل المعلومات التي نعرفها عن العالم الذي نعيش فيه تصل إلينا عن طريق حواسنا الخمس , فالعالم الذي نعرفه يتكون مما نراه بأعيننا , وما تلمسه أيدينا, وما تستنشقه أنوفنا , وتتذوقه ألسنتنا وتسمعه آذاننا.

هل ترى عيناك أزهار صفراء؟

كيف تمّت عملية رؤيتك للأزهار الصفراء؟

حدث ذلك على مراحل متتالية , الحزمة الضوئية التي صدرت عن الأزهار الصفراء عبرت من خلال قزحية عينك لتنعكس على الشبكية في مؤخرة العين , ثم تحوّل الضوء الذي نقلته الخلايا العصبية إلى إشارات كهربائية تنتقل إلى نقطة صغيرة جداً تقع في مؤخرة المخ يُطلق عليها مركز الإبصار. يستقبل مركز الإبصار هذه الإشارات الكهربائية ويحوّلها بعد عدّة عمليات إلى صورة كاملة , أي أنّ عملية الرؤية تمت في هذه البقعة شديدة الصغر الموجودة في مؤخرة المخ , وهي بقعة مظلمة جداً لا ترى النّور أبداً !

اقتنع بالفكرة – طبقها على نفسك – إنشرها للآخرين

أنقذ نفسك بعلاجها من المرض قبل أن تفقد تحكمك بجسدك وحواسك أو هلاكك

هنالك تحديّ كبير من قبل الشيطان بأنه سيتمكن من أن يركبنا ويتحكم بتصرفاتنا ليدخلنا في آخر مرحلة من حياتنا إلى جحيم النار , للأسف نحن الآن في المرحلة الثالثة والتي تكون النفس البشرية محبوسة داخل هذا الجسد الذي نرتديه , لذلك لا نتمكن من رؤية الشيطان والجن من خلال هذا الجسد الترابي , لكننا سنتمكن من مشاهدته عندما تخرج النفس من الجسد أثناء النوم أو في المرحلة الرابعة والخامسة … كيف يتمكن الشيطان من السيطرة علينا؟! عن طريق العلقة السوداء الموجودة في صدورنا!! العلقة السوداء التي تنمو وتتشعب في قلوبنا من خلال تصرفات يومية نعتقد أنها بسيطة وليست خطيرة , تلك العلقة السوداء هي التي تساعد الشيطان بالسيطرة علينا والتحكم بنا من خلال الوسوسة المستمرة التي هدفها الأساسي الإبتعاد عن الصراط المستقيم الذي يؤدي بنا إلى الجنة التي حُرم منها إبليس وجنوده. العلقة السوداء حقيقة مذكورة في الحديث الصحيح عندما نزعتها الملائكة من قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو طفل يلعب مع الغلمان, وطالما أنها كانت موجودة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من البشر فلماذا لا تكون موجودة في بقية البشر؟! المنطق يقول أنها موجودة في جميع قلوب البشر … وهي التي تربط الجسد المادي بالنفس البشرية اللامادية … وتزكية النفس البشرية تكون بتطهير القلب والنفس من العلقة السوداء والتي تساعد الشيطان على بث المزيد من وساويسه اللعينة في صدورنا ويجعل الشيطان يسري في عروقنا كما يسري الدم … وكلما زكينا أنفسنا وطهرناها تخلصنا من قوة وساوس الشيطان الملعون. إن نفوسنا البشرية جميعها وبلا استثناء مريضة بالعلقة السوداء , ونحن بحياتنا اليومية الإعتيادية نساعد على نمو العلقة السوداء بإستخدام حواسنا الخمسة , خطورة الأمر تكمن بأنه كلما كبُرت العلقة السوداء في نفوسنا تشعبت جذورها في قلوبنا لتفتح الطريق للشيطان ووسوسته بالسريان في عروقنا , مما سيُفقدنا السيطرة بالنهاية على نفوسنا ويوقعها في النهاية في قعر جهنم والعياذ بالله! ولتأكيد خطورة هذا الأمر أقسم الله تعالى في أطول قسم في القرآن الكريم بأن الوحيد الذي سيفوز منّا هو من طهّر نفسه البشرية المريضة والوحيد الذي سيخسر منّا هو من يُبقي نفسه مريضة ويُدنسها.

الفكرة تهمّك جداً لأنها تتحدث عن نفسك التي لا تعرفها جيداً , نفسك البشرية التي تسكن داخل جسدك الترابي تعيش حالياً في مرحلة ابتلاء تُسجل عليها جميع أعمالها التي تقوم بها كلما تواجدت داخل الجسد , والفترة التي تتواجد فيها داخل الجسد محدودة جداً , والجسد الذي ترتديه يهرم مع مرور الوقت ومصيره المرض والموت لا محال … وكلما مرت السنين على ذلك الجسد تزايدت متاعبه وأمراضه … وثقُل على النفس تحريكه والسيطرة عليه … الفكرة تتعلق بمرض النفس البشرية الذي يجهله الكثيرون من الناس كما تجهله أنت نفسك , والمطلوب أن تقتنع بأن هذا المرض حقاً موجود وأن تقتنع بالعلاج وتطبقه على نفسك ثم تنشره للآخرين.

أنت لم تأتي برغبتك إلى هذه الحياة ولن تتركها بقرار منك , أنت تسكن داخل جسد ترابي لفترة محدودة , جسد ينمو ويكبر ويهرم كالنبات ومصيره الحتمي الهلاك والموت , أنت تخرج من جسدك في كل مرة تنام فيها , تخرج وتحلّق عالياً إلى عالم آخر غريب يجعلك تشاهد أحلاماً غالباً ما تنساها بعد إستيقاظك , أنت ستخرج من جسدك إلى الأبد عندما تُقبض روحك ويهلك جسدك ويتحلل ويعود إلى تراب وتنتقل إلى حياة أخرى تسمى بحياة البرزخ , الحياة التي ستبقى بها دون عمل حتى يوم القيامة … في ذلك اليوم سيكون الحساب على جميع ما قمت به من أعمال والتي ستوضع على الميزان , فإن ثقلت حسناتك فستدخل الجنة وتبقى فيها حياة أبدية أما إن ثقلت سيئاتك فستحترق في نار جهنم.

 لماذا مسلمين بلا أخلاق؟!

تجربتي في الحياة تستحق أن أكتب عنها كي يتفكّر بها آخرون ويتدارسوا نتائجها, لقد عشت لسنوات عديدة في بلدين متناقضين, البلد الأول كان من أكثر البلدان إلحاداً أقمت فيه لأكثر من ثمان سنوات تعرضتُ فيها لمواقف كثيرة من بعض ساكنيه اللذين كانت أخلاقهم في الغالب جيدة رغم أنهم يجهلون تعاليم الإسلام! والبلد الثاني كان من أكثر البلدان تديناً أقمتُ فيه لأكثر من ثمان سنوات أخرى تعرضتُ فيها لمواقف كثيرة من بعض ساكنيه اللذين كانوا مسلمين ويعرفون الإسلام لكن أخلاقهم في الغالب كانت بعيدة تعاليم الإسلام! احترت جداً في أمري كيف يحدث ذلك وديننا الحنيف يحثـنا على الأخلاق الحميدة كالتواضع والصدق والمحبة, أما في تلك البلاد المُلحدة فلا يوجد بالأصل ديناً لهم! بدأت أتساءل في داخلي عن أسباب ذلك التناقض العجيب؟! هل طبيعة البلد الذي يعيشون فيه يختلف عن بلادنا أم طبيعة بشرهم تختلف عن طبيعتنا؟! أم أنّ هنالك سراً آخر لا نعرف عن حقيقته شيئاً؟! ورغم أنّ تخصصي الجامعي كان بعيداً عن الدراسات الإسلامية إلا أنّه كانت بداخلي رغبة شديدة لإكتشاف ذلك السرّ الخفيّ الذي جعلنا مسلمين بلا أخلاق وجعلهم بأخلاق من غير إسلام! معادلة حقاً غريبة وتستحق من كل محبي ديننا البحث الجاد عن سرّها! بحثتُ طويلاً وقرأتُ كثيراً ودعوت الله تعالى بشدة وإلحاح أن يُساعدني في معرفة الحقيقة التي يجهلها أغلب البشر عساني بذلك أخدم ديني الحبيب!

هذا الموقع هو حصيلة أبحاثي ودراساتي في الكشف عن المُسبب لذلك التناقض الغريب , هدفي الأساسي منه أن أعظ أكبر عددٍ ممكن من البشرية وقبل فوات الأوان بأن هنالك موضوع جداً خطير يتعلق بهم , وأنهم في غفلة منه وسيندمون كلّ الندم إن لم يستيقظوا ويصححوا أخطائهم قبل فوات الأوان…. أخطائهم التي قد تعتبر بنظرهم تافهة أو بسيطة ولا تستحق الخوف أو التفكير بجدية بها!

آمل أن ينال إعجابكم هذا الموقع , وأن يكون في كفة حسناتي يوم يكون الحساب…

لنبدأ رحلتنا بالتعرف على ذلك السرّ الخفي الذي جعلنا مسلمين بلا أخلاق وجعلهم بأخلاق من غير إسلام!

نشر محتويات هذا الموقع ضرورية جداً للجميع قبل فوات الأوان!

حياة الذرّ

وهي حياة عالم الذرّ عندما مسح الله ظهر آدم وأخرج منه ذريته فقال آدم: يا رب من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للجنة, وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره مرة أخرى فأخرج منه ذرية, فقال آدم: أي رب من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار, وبعمل أهل النار يعملون. ثم خلطهم حتى يتميزون, فناداهم فقال: ” ألست بربكم قالوا بلى ” الأنعام 172 قالها مؤمنهم وكافرهم, وبرهم وفاجرهم, كلهم أقرّوا له بالربوبية في ذلك الوقت, والإنسان إن كان يوجه إليه الكلام, ويصدر منه الجواب, ويؤخذ عليه العهد, ويوافق عليه .. هذا دليل على أنه دخل الوجود, وأصبح ذا عمر موجود, فلذلك خاطبهم الله بذلك الخطاب فقال : ” ألستُ بربكم ” , وهم جميعاً أقرّوا بذلك, ” قالوا بلى ” , ثم أخذ عليهم العهد بعبادته وتوحيده وأن لا يعبدوا الشيطان, قال سبحانه وتعالى: ” ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين , وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيم ” يس 60-61.

حياة الذرّ التي عشناها ولا يزال يعيشها الآن من لم يهبط إلى الأرض تمنحنا الفطرة التي فطرنا الله عليها , وهي توحيد الله وعبادته والحاجة إلى الدين. وهذه الفطرة تبقى في الإنسان ما لم تفسد بمفسدات الفطرة, فالإنسان لو وُلد في جزيرة معزولة في البحر ولم يلق أي معلّم ولا مربي, فبلغ العقل والنضج لا بدّ أن يبحث عن شيء يعبده, ولا يُمكن أن يدعي بفطرته أنه مستغن عن الدين أو مستغن عن معبود, ولا يُمكن أن يدعي الربوبية لنفسه إذا كانت فطرته سليمة. بل يبحث عن معبود, فإن هدي إلى عبادة الله عبده, وإلا اتخذ آلهة أخرى, عبد حجراً, أو شجراً, أو غير ذلك .. لكن لا يُمكن أن يكون الإنسان بأصل فطرته غنياً عن العبادة! غنياً عن الرب! .. بل لا بد أن يجد نفسه مضطرة للعبادة. وهذه فطرة باقية من عالم وحياة الذرّ. قال الله تعالى: ” فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” الروم 30.

في عالم الذرّ تكون الأروح محبوسة في السماء منذ ذلك العالم الأول, وتنزل إلى الأرض بالتدريج, فإذا مكث الجنين في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم يكون أربعين يوماً علقة , ثم يكون أربعين يوماً مضغة, ثم بعد ذلك يُنفخ فيه الروح, فتنزل روحه من السماء الدنيا, يأتي بها المَلك ويؤمر بنفخها فيه, وبأربع كلمات, بكتب رزقه, وأجله, وعمله, وشقيّ أو سعيد. وهذا التعارف الذي حصل بيننا في ذلك العالم هو الذي تقع به الألفة في الدنيا, فترى الإنسان الذي لا تجمعك وإياه قارة واحدة, ولا لون واحد, ولا لسان واحد, وتجد نفسك منجذبة إليه كأنك عشت معه زمناً طويلاً, من أين كان ذلك؟ إنما كان ذلك التعارف في الزمان الأول, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة, ما تعارف منها ائتلف , وما تناكر منها اختلف ” وهذا التعارف من حكمة الله فيه تحقيق الإخاء ولو شاء الله لخلق البشر كما خلق الشجر كل شجرة لها أصل تنبت فيه, لكن الله أراد بحكمته البالغة أن يوحد البشر, فجعلهم ” من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءاً ” النساء 1 ليترابطوا فيما بينهم, لأن الله علم أن الإنسان الواحد عاجز عن صناعة ما يحتاج إليه. فالإنسان يحتاج إلى الطعام والشراب واللباس والسكن, وهذه أربع حاجيات هي أكبر حاجيات الإنسان وقد ضمنها الله لآدم في الجنة فقال : ” إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى , وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى ” طه 118-119 فهذه أربع حاجيات هي : الطعام والشراب والسكن واللباس. والإنسان محتاج إليها دائماً لا يستغني عنها, ولا يستطيع توفيرها لنفسه بنفسه. لو قدر أنه اشتغل بواحدة منها, بدأ يحفر في الأرض للبحث عن الماء فمن سيرفع عنه التراب إذا وصل الحفير إلى مكان لا يستطيع إخراج التراب منه, يحتاج إلى شخص آخر ولو أراد الطعام فزرع في الأرض هل يستطيع أن يزرع ثم بعد ذلك أن يرعى؟ ثم بعد ذلك يسقي؟ ثم بعد ذلك يصبر إلى أن ينضج الحب؟ ثم بعد ذلك يحصده, ثم بعد ذلك يبدأ في طحنه وتوصيله, ثم بعد ذلك في طبخه وإنضاجه؟ هل يستطيع أن يقوم بكل هذه المراتب وحده؟! من المستحيل أن يقع ذلك, وهكذا في كل شؤون حياته, فهو محتاج إلى من يعينه. فلذلك جعل الله البشر يترابطون فيما بينهم.

حياة الرحم

وهي أقصر مرحلة نمُرُّ بها , خلال هذه المرحلة تـُنفخ الروح في جسد الجنين وترسل النفس إليه . نحن لا نتذكر شيئاً من هذه المرحلة رغم أنها حقاً كانت!

” هُوَ الذي خَلقكُم مِن ترَاب ثمَّ مِن نـُطفة ثمَّ مِن عَلقة ثمَّ يُخرجُكم طفلا “ غافر:67

يجب أن نتفكر جيداً في قدرة الله سُبحانه في خلقنا في هذه المرحلة والتي تمكنّا من مشاهدتها بأعيُننا , كي نعلم علم اليقين بعظمة الخالق وقدرته !

حياة الأرض

حياة الأرض هي عمر الإنسان فوق الأرض في هذه المدة التي يمكثُ فيها فوقها, وهو أقصر أعمار الإنسان, لكنه أخطر الأعمار, لأنه عمر التكليف. هي حياة النفس داخل الجسد لمدة محدودة لا تتجاوز في متوسطها السبعين سنة , وتعتبر أخطر مرحلة نمرُّ بها في حياتنا , لأنها المرحلة الوحيدة التي نجمع فيها الحسنات بالأعمال الصالحة , وتنتهي هذه المرحلة بمجرد إنتهاء عُمر الجسد الذي ترتديه النفس! حياة الدنيا التي نحياها الآن تعتبر في غاية الخطورة والأهمية لأنها الحياة الوحيدة التي يُمكننا أن نعمل بها لنجازى فيما بعد في حياة الآخرة , فما لم يعمله الإنسان في دنياه لا يُمكنه عمله في آخرته. نحن نشعر بقسوة حياة الدنيا وأحياناً نذمها ولكن مع ذلك لا نجاة لنا في الآخرة إلا بالدنيا!!.. إلا بعمل يقوم به الإنسان في الحياة الدنيا, فأهل الجنة يُقال لهم يوم القيامة ” كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ” الحاقة 24 , وتلك الأيام الخالية إنما هي أيام الدنيا ولياليها, ولا يمكن أن يحسب فيها شيء من القيامة.

الإنسان عندما وُلد حُكم عليه بالموت, فكل مولود ميت, لا يُمكن أن يُولد مولود إلا وقد قدّر له وقت موته, يُكتب معه عند نفخ الروح فيه وهو جنين. نحن كل يوم نودّع بعضنا إلى الدار الآخرة ولا رجعة لنا ولا لقاء إلا عند الحشر, ونشاهد الموت, وفيه من هو أسنّ, ومن هو أصغر, ومن هو في سننا .. ومن هو أقوى, ومن هو أغنى, ومن هو أكثر سلطاناً وجاهاً.. ونراهم جميعاً يتجهون إلى الدار الآخرة يستوون إذا دُفنوا!.. وانقطعت أخبارهم!!. إذا وقفت على مقبرة فيها الملك وفيها المملوك .. وفيها الغني والفقير .. وفيها الجميل والذميم .. وفيها الطويل والقصير .. وفيها الأبيض والأسود .. لا تميّز بينهم بشيء!!!… الذي تراه هو القبور, وما تحتها الله أعلم به, فالقبر إما روضة من رياض الجنة, وإما حفرة من حفر النار!!.. والقبر الواحد يجتمع فيه من هو في غاية النعيم, ومن هو في غاية العذاب , فتختلط عظامهما وذراتهما ولا هذا يحس بشيء من نعيم هذا, ولا هذا يحس بشيء من عذاب هذا, كل لا يصل إليه إلا ما كتب له!!.. فلذلك كان لا بد من استغلال هذا العمر الذي نقضيه في حياة الدنيا, والموت آتٍ لا محالة, وأنت تنتظره في كل طرفة عين, ولا تدري متى يأتيك, ولا على أية حالة يأتيك, ففرصتك هي هذا العمر الذي أنت فيه, والنعم التي أنعم الله بها عليك, وهذه النعم ماضية. فمدة بقائك وتمتيعك بأي نعمة من النعم هو مثل جلوسك على كرسي الحلاق ليحلق لك رأسك, ثم تقوم لتترك مكانك لغيرك, ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.

هل جلس أحدكم على كرسي حلاق, وهو يريد البقاء عليه أبد الآبدين؟! هكذا الدنيا كلها!! نحن الآن نسكن ديار قوم قد ماتوا وانتقلوا, وسنتركها لمن يأتي بعدنا!! والإنسان في الحياة يجمع من أنواع المال ما أذن له بجمعه, وإذا مات فرّقه ورثته ويبدؤون بالجمع من جديد, وهكذا!!.. فكل ما في الدنيا من الأرزاق ثابت ومحدد ولا يزداد, وإنما يتساوى الناس في الجمع والتفريق, هذا يجمع ليفرقه غيره, ويبدأ أولئك في الجمع, ثم يفرقه من سواهم .. وهكذا دواليك بالترتيب.

وهذا يدلنا على أن علينا أن لا نحرص كثيراً على جمع أمر سيفرقه غيرنا , فما هو إلا لعبة أطفال يبنونها لكن بنيّة النقض والهدم, هم يبنونها ويجتهدون في بنائها ويتأنقون فيه, ثم لا يهدأ لهم بال حتى يهدموا ما بنوا!!.. فهذه طبيعة الحياة الدنيا, فلذلك لا بد أن نعرف أن فرصة النعم فرصة لا بد استغلالها قبل فوات الأوان. ثم بعد ذلك تأتي الحياة الثالثة حياة البرزخ.

حياة البرزخ

هي حياة النفس بلا جسد أو روح في عالم آخر ينقصه الزمن , يتم التجمّع والإنتظار في هذه المرحلة لجميع النفوس البشرية التي خُلقت من قبل , ولا يُسمح لمن يصل إليها بأي عمل جديد لأنها تعتبر مرحلة علم اليقين بأن حياة الدنيا ما كانت الإ دارٌ للعمل!

وهي حياة الإنسان تحت الأرض في البرزخ عندما يُدفن الإنسان فقد بدأ حياة جديدة وانتقل من مألوفه جميعاً , ” وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ” الزمر 47 ” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد, ونُفخ في الصور ذلك يوم الوعيد, وجاءت كلّ نفسٍ معها سائق وشهيد , لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ” ق 19-22 , يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب, ويرى الأمور على حقيقتها ويُقدم إلى ما قدم وتنكشف له الأمور على جليتها. هنالك مراحل لحياة البرزخ بدايتها الضجعة الأولى في القبر. عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله في جنازة فلمّا انتهينا إلى القبر, جثا على القبر, فاستدرتُ فاستقبلته فبكى حتى بَلّ الثرى, ثم قال: إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا” , وإنها لضجعة عظيمة!!!…

ثم بعدها إذا ووري في التراب جاءت ضمة القبر التي تختلف منها الأضلاع, وتزول منها الحمائل!!.. وهي تهيئة سؤال الملكين, فأنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بدئ بالوحي أتاه جبريل فغطه غطاً شديداً حتى بلغ منه الجهد ثلاثاً ثم يرسله فيقول له: اقرأ!! وإنما كان ذلك الغط لتهيئة نفسه وتقويتها لسماع كلام الملائكة وحوارهم, فالإنسان العادي لا يحتمل سماع الملائكة. أنتم الآن تسمعون صوت الرعد من بعيد فيشق عليكم سماعه وترتاعون له, فكيف لو فهمتموه؟! أمر عظيم جداً!!.. وكيف لو كان في الأرض؟! لو سمعتم الرعد من الأرض لكان أمراً مروعاً!!.. فكلام الملائكة لا يتحمل البشر سماعه!.. فلذلك يُقوّون بهذه الضمة والضغطة الشديدة من أجل سماع الكلام.

الإنسان إذا تألم ألماً شديداً, وأيقن على الهلاك يستطيع حينئذ المخاطرة والمغامرة, فلذلك يضم الميت, يضمّه قبره ضمةً شدسدة تختلف منها الأضلاع, وتزول منها الحمائل!!.. (وهي ما فضل من الخصرين خارج الظهر).

ثم بعد ذلك يأتي سؤال الملكين, منكر ونكير, يجلسانه إلى ركبتيه فيقولان له: ما ربّك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: “ربي الله, وديني الإسلام, والرجل المبعوث فينا محمد صلى الله عليه وسلم, هو محمد, هو محمد ثلاثاً .. جاءنا بالبينات والهدى, فآمنا واتبعنا, فيقولان له: صدقت وبررت! قد علمنا إن كنت لموقنا, ويقولان له: نم نومة عروس, وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري؟!كنت سمعتُ الناس يقولون شيئاً فقلته!! فيقولان له: لا دريت ولا تليت!!.. ويضربانه بمطارق بين فَودَيهِ فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الإنس والجن”.

ثم بعد ذلك يأتي عرض العمل “إن كان محسناً جاءه عمله في أحسن صورة, وأحسن رائحة كأنه إنسان, فيقول: أبشِر بخير! فيقول: وجهك الوجه الذي يبشر بخير, فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح, وأنا أنيسك في غربتك. وإن كان مسيئاً ( أي غلبت سيئاته على حسناته) جاءه عمله في أقبح صورة, وأنتن رائحة فيقول: أبشِر بسوء!! فيقول: وجهك الوجه الذي يبشر بسوء! فمن أنت؟ فيقول: أنا عملك السيء, وأنا صاحبك في غربتك”. فالعمل إذن رفيق الإنسان فيحتاج الإنسان إلى انتقاء الرفيق وإعداده قبل الطريق, إما أن يأتي في أحسن صورة وفي أحسن رائحة, وإما أن يأتي في أقبح صورة وفي أقبح رائحة. وهو الرفيق الملازم في هذا العمر الطويل. والدليل على طول هذا العمر أن آباءنا وأجدادنا عاشوا فوق هذه الأرض ما كتب لهم بعضهم عاش خمسين سنة, وبعضهم عاش ستين سنة وأطولهم عمراً تقريباً عاشوا مائة أو أكثر قليلاً أو أقل قليلاً, لكن كم مضى عليهم وهم تحت الأرض في البرزخ؟؟! تمضي آلاف السنوات على الموتى وهم هنالك!!

أطول ما عرفناه عمراً من أهل الأرض نوح عليه السلام, عاش أربعين سنة قبل البعثة, وألفاً إلا خمسين عاماً في الدعوة, ثم مكث أربعين سنة في السفينة وهي تطوف في الأرض, ثم بعد ذلك مكث مدة بعد هبوطه من السفينة, وهي مدة مباركة قد بارك الله عليه ” قيل يا نوح اهبط بسلام منّا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ” هود 48 , وهذه البركات تقتضي طول العمر بعد ذلك. نوح كم مضى عليه الآن وهو تحت الأرض في البرزح؟؟! آلاف السنين!! الله أعلم بها, لكنهت قطعاً لا تقارن بمدة حياته فوق الأرض إذا قدرنا أنه عاش ألفي سنة فوق الأرض, فقد مضى عليه تحت الأرض أضعاف أضعاف ذلك. فإذن العمر البرزخي هو عمر طويل جداً.

حياة الآخرة

هي حياة النفس حياة أبدية في خلق آخر إما حياة نعيم في الجنّة أو حياة جحيم في النّار , حياة لو شاهدناها عين اليقين لما فكرنا يوماً أن نعصي الخالق ولأصبحت الدنيا في أعيننا تافهة ولا تستحق أيّ قلق أو خوف من أن نهجرها أو نموت فيها!

هي الحياة والبقاء الأبدي السرمدي في جنة أو في نار!! فإن كان في جنة ففيها ” ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” , وأعظم ما فيها هي لذة النظر إلى وجه الله الكريم. وإن كانت في النار ففيها ما لا يخطر على بال من المذلة والهوان!!.. وأنواع العذاب المقيم الأليم!!.. وأعظم ما فيها من العذاب أنهم لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم!!!…

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من موقع مزايا

www.mazaia.com
زيارة الموقع
Translate »
Share This